الثلاثاء، 19 يناير 2021

الاستعباد الرقمي (الوجه القبيح للتقنية)

 بالتزامن مع أزمة التحديث الأخير "الإجباري" لواتساب، تعرضتُ لموقفٍ أكد لي بما لا يدع مجالًا للشك حينه أن العالم الرقمي الذي أصبح محور حياة كل فرد منا اليوم لم يعد مأمون الجانب والعواقب من عدة أوجه لا من وجه واحد، فمنذ سنوات عدة كنت أعتمد على أحد تطبيقات تدوين الملاحظات، وكان تطبيقًا مهمًا لتسجيل ما يجول بخاطري من ملاحظات أو خواطر أو أفكار مهنية أو شخصية عابرة لا أستطيع الاستغراق فيها أثناء العمل، ومن ثم ألجأ لتدوينها سريعًا قبل نسيانها بهذا التطبيق ريثما يتسع الوقت لنقلها بمكانها بأحد الوسائط الرقمية الأخرى، وكان التطبيق لا يتطلب في جميع إصداراته وتحديثاته السابقة تسجيل حساب للمستخدم بل كان يعمل تلقائيًا دون الحاجة إلى ذلك، حتى فُوجئت مؤخرًا - بالتزامن مع أزمة تحديث واتساب - بأن التطبيق يطلب تسجيل حساب مستخدم جديد حتى أتمكن من فتحه واستخدامه وتصفح ملاحظاتي المدونة به، وبالتواصل مع الدعم الفني للشركة المالكة للتطبيق، أفادوا بأن هذا تحديث جديد بالفعل يتطلب تسجيل حساب للمستخدم كشرط لاستخدامه من الآن فصاعدا وأن عليَّ تسجيل حساب حتى أتمكن من تصفح ملاحظاتي المهمة التي لم أعد قادرًا حتى على تصفحها، ولما كان هذا التحديث "إجباريًا" كما هو الحال مع واتساب تمامًا، لم يكن هناك بد من الانصياع للأمر الذي أثار استيائي حيث تم بدون إشعار أو تنويه مسبق من الشركة المالكة للتطبيق، وبعد تسجيل الحساب الجديد، ظننتُ الأمر قد انتهى إلى هذا الحد إلى أن فوجئت بأن جميع الملاحظات المهمة بالتطبيق قد حُذفت تمامًا ولم يعد لها من أثر، وبالرجوع مرة أخرى للشركة، بعد عدة محاولات يائسة للاسترجاع، كان الرد مفاده: نأسف لعدم إمكانية استرجاع ملاحظاتك السابقة بالتطبيق لكن من الآن فصاعدًا يمكنك استرجاع ما يستجد من ملاحظات حيث تم ربط حسابك الجديد بالبريد الموضح ببيانات التسجيل.. فما كان مني إلا أن حذفتُ التطبيق نهائيًا بعد استخدام دام لعدة شهور وسنوات ردًا يائسًا على هذا الإجراء غير المسؤول بعد أن أيقنت أن العالم الرقمي الذي يتوحش الآن لا يؤتمن لعدة أسباب لعل هذه - انعدام مأمونية استرجاع البيانات في أي وقت - واحدة فقط، ناهيك عن انتهاك الخصوصية وسوء الاستخدام وفرض سياسات استخدام بعينها وما علينا إلا الانصياع والقبول بها حتى لا نخرج من نعيم جنة العالم الرقمي الزائفة، وكل هذا يجعل المستخدم رويدًا رويدًا رهين هذا العالم الذي صنعه بنفسه يومًا ما، فإذا بالخادم ينقلب على سيده وإذا بالعالم الرقمي الآن يفرض شروطه على رواده، ولعل المخرج الوحيد للبشرية من هذا الاستعباد الرقمي هو تقليل الاعتماد على العالم الرقمي بدل الانغماس فيه حتى إذا تطلب منا الأمر العودة إلى عصر القرطاس والقلم، وقد لا أكون مبالغًا إذا قلت بأن الحروب القادمة ستكون حروبًا رقمية معلوماتية في المقام الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق