للتعدد أسباب عدة وتتراوح أحكامه بين الإباحة والحرمة مثله مثل
الزواج بواحدة؛ فالضرورة تقدَّر بقدرها وفق كل حالة بعينها وليس من الحكمة التعميم
سواء بالقبول المطلق أو الرفض التام... وبغض النظر عن الحكم الشرعي المعلوم
للجميع، فمسألة التعدد من المسائل الخلافية الشائكة بين الرجل والمرأة ليس من
الناحية الشرعية فحسب، بل من الناحية النفسية والاجتماعية والقانونية أحيانًا مما
يضيق لتفصيله المقام، وفي وسائل الإعلام إما أن تكون المسألة من المسائل
الاجتماعية المسكوت عنها أو المنبوذة جملة وتفصيلًا - في الوقت الذي باتت تروِّج
فيه كثير من الأعمال الدرامية لنمط الحياة الغربي الذي يختلف في كثير من تفاصيله
عن نمط المجتمع الشرقي! - أو تكون المسألة برمتها مثارًا للسخرية والتندر إما في
أعمال درامية هزلية تميل إلى الفانتازيا لتأصيل فكرة أن التعدد – المباح شرعًا –
محض خيانة زوجية أو لا يعدو كونه محاباة للرجل ونزواته أو في وسائل التواصل
الاجتماعي حيث تتوه القضية برمتها وسط ضجيج من السخرية والتفكه لمآرب شتى، وقلما
تُناقش المسألة مناقشة موضوعية من حين لآخر هنا وهناك على استحياء تام، ومن ثمَّ –
واستجابة لتأثير تلك الآلة الإعلامية التي تسير معظمها في اتجاه واحد - تبنت كثير
من المجتمعات الشرقية العربية الإسلامية تلك الرؤى والأحكام المسبقة ربما عمدًا أو
جهلًا.
ونظرًا لاختلاف طبيعة كل من الرجل والمرأة عن الآخر، ينظر كلا
الطرفين إلى التعدد من منظوره الخاص وقلما ينظر كل طرف من المنصفين والمنصفات إلى
المعادلة من طرفيها معًا، فمن جانب الرجل تميل فطرته في الأصل إلى التعدد وإلا لما
أجازه له الشارع الحكيم دون أن يوجبه أو يفرضه عليه بل حددَّه وقد كان قبل الإسلام
مطلقًا، بينما تميل فطرة المرأة إلى أن تكون الزوجة الوحيدة في حياة زوجها وتأبى
طبيعتها أن تشاركها فيه امرأة أخرى، إلى أن يضطر كلا الطرفين أو أحدهما للقبول به
عند توفر ضوابطه والاطمئنان إلى مشروعيته وعدالته، مع مراعاة الميل القلبي الذي
أشار إليه النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) والتمس من الله فيه العذر لغلبة
محبته للصدِّيقة ابنة الصدِّيق (رضي الله عنها وعن أبيها)؛ فالرجل يعدل بين أبنائه
ومع ذلك قد يميل قلبه إلى أحدهم أكثر دون أن يحيد به ذاك الميل عن العدل بينهم
فيما يملك، وهذا الميل القلبي هو المُشار إليه في قوله: "وَلَن تَسْتَطِيعُوا
أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ
الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا"، ومما قد تغفل عنه المرأة – لا
لقصورٍ في إدراكها أو جهلًا أو إنكارًا منها للحكم الشرعي وإنما لغلبة الغيرة على
طبعها وإن بررت موقفها بخلاف ذلك – وما يدركه الرجال جيدًا أن الرجل نفسه قد لا
يكون راغبًا في التعدد ابتداءً لما يفرضه عليه من أعباء نفسية واجتماعية ومادية
إضافية استنادًا إلى معطيات الواقع إلا أن يكون مضطرًا للإقدام عليه مع توفر
أسبابه المُسوغة له والالتزام بضوابطه التي تضمن استقراره (أي أن الأمر ليس دائمًا
محض رفاهية للرجل أو إشباعًا لرغبات مؤقتة كما قد تظن المرأة أو كما يُراد لها أن
تظن).
فالخالق حين أباح التعدد ما أباحه محاباة للرجل على حساب المرأة، فكلاهما صنعته، والصانع أعلم من غيره بما يصلح حال صنعته: "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" ولا يحابي الحقُ أحد الجنسين على الآخر وهو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، وأينما تكون المصلحة فثمَّ شرع الله ما دام قد انتفى منها الضرر والضرار، ومن هنا كانت الإباحة – وسطًا بين الوجوب والتحريم - مراعاة لمصلحة الطرفين ووفقًا لكل حالة على حدة دون تعميم وحسب متطلبات كل طرف واحتياجاته التي تختلف من حالة إلى أخرى، ولكلٍ أسبابه ما دامت مقبولة مشروعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق