هل أنت سعيد؟!
قد يختلف تعريف كلٍ منا للسعادة؛ فمنا
مَنْ يرى أنها "إحساس بانشراح في الصدر"، ومنا مَنْ يراها "الشعور
بالأمان"، ومنا مَنْ يراها في "النجاح"، ومنا مَنْ يراها في
"المعرفة"، ولعلنا نجمل تعريفها في أنها "التقاء النشوة والرضا في
القلب"؛ فقد يكون الإنسان راضيًا ولكنه ليس بالضرورة سعيدًا، لأنه يفتقد الشعور
بالنشوة، والعكس صحيح؛ ومن ثمَّ فالسعادة عبارة عن شعور لحظي، محدود المدة، فقط
عند لحظة التقاء إحساسي النشوة والرضا في قلب الإنسان، وهذا المزيج نادر الحدوث
ومحدود المدة بطبيعة الحال؛ مثل تلك اللحظة التي يشعر فيها لاعب الكرة بالسعادة
عند تسجيل هدف في مرمى الخصم، في هذه اللحظة تجتمع نشوة الانتصار مع الرضا بتحقيق
الهدف، ولكن بعد ثوانٍ أو دقائق يزول إحساس النشوة، فيكون المُشجِّع راضيًا عن
النتيجة ولكنه ليس سعيدًا، لأن شعور النشوة قد تبدّل بالقلق للحفاظ على هذه
النتيجة، ويظل هذا الشعور معه حتى صافرة الحكم بانتهاء المباراة، فإذا انتهت بهذه
النتيجة، شعر بالسعادة مرة ثانية، لاندماج نشوة لحظة الانتصار مع الرضا بالنتيجة
النهائية للمباراة، ثم تزول النشوة بعد فترة ليزول معها الشعور بالسعادة، ذلك أن
السعادة لا تدوم!
فالسعادة لا تدوم؛ لأنها شعور محدود
المدة نتيجة التقاء النشوة والرضا في قلب الإنسان، وإذا ما نظرنا إلى معنى كلٍ من
الفوز والنجاح، لوجدنا أن الفوز هو "الوصول إلى الهدف الأخير"، والمنطق
يقول إن الإنسان إذا وصل إلى هدفه الأخير، فإنه يفقد الرغبة في الحركة، لأن
الإنسان لا يسعى في الدنيا إلا للوصول إلى هدف معين أو أهداف عديدة، صغيرة كانت أو
كبيرة، وهذا هو المحرك الحقيقي لحركة الإنسان في الحياة؛ فإذا افترضنا جدلًا أن
هناك إنسانًا يعيش في هذه الدنيا بعد أن وصل إلى هدفه الأخير، فإنه سيفقد بذلك الدافع
للسعي في الحياة، وقد يظن الإنسان في وقتٍ ما أنه قد وصل فعلًا إلى هدفه الأخير في
الدنيا، ولكنه ما إن يصل إليه، حتى ينشأ أمامه هدف آخر أو أكثر، ويظل هكذا حتى... لحظة
الموت... وعندها فقط يصل الإنسان إلى هدفه الأخير: ﴿قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾؛ فالهدف الأخير ليس في هذه الدنيا، وإنما قد يصل إليه
الإنسان عند نهايتها.
وأما تعريف النجاح، فهو "الوصول إلى أي هدف، بعد السعي إليه"، وهذا التعريف يلقي الضوء على أهم عناصر النجاح: أولًا: السعي نحو الهدف، وثانيًا: الوصول إليه وتحقيقه، حتى إذا كان هذا الهدف تافهًا وغير مهم، وبناءً عليه يمكننا تعريف الإنسان الناجح بأنه: الإنسان الذي يسعى دائمًا نحو أهداف معينة ويستطيع الوصول إلى معظمها، أي أنه يغلب عليه الوصول إلى أهدافه بعد السعي إليها، ولحظة النجاح، أي لحظة تحقيق الهدف بعد الوصول إليه، هي لحظة سعادة؛ حيث يلتقي عندها شعور النشوة بالرضا في القلب، وتتغير درجة السعادة بأهمية الهدف والمجهود المبذول في سبيله، وأكثر أنواع النجاح إنتاجًا للحظات السعادة هو ذلك النجاح الذي يقودنا إلى الفوز.
سطور من كتاب "4 شارع النجاح" – د./ إيهاب فكري – بتصرف يسير